Header Ads Widget

Responsive Advertisement

قصة خيالية عن الحب والتضحية بين العوالم

 


الفصل الأول: اللقاء الغريب في قلب العاصفة

في قلب مدينة "الواحة" الصاخبة، حيث تختلط أبراج الزجاج اللامعة بأزقة التاريخ العتيق، عاش شاب يدعى "آدم". كان آدم في مقتبل العمر، يبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا، يمضي أيامه في مكتبة الجامعة، غارقًا بين صفحات الكتب القديمة ومخطوطات الفلك. لم يكن آدم مجرد طالب عادي؛ كانت روحه تتوق إلى ما وراء الأفق، إلى عوالم لم تطأها قدم بشر، وقلبه يحمل حلمًا خفيًا بلقاء ما هو استثنائي، ما يكسر رتابة الحياة اليومية. كان يشعر دائمًا بأن هناك شيئًا أكبر ينتظره، قدرًا غير مرئي ينسج خيوطه في صمت.

في إحدى الليالي الخريفية العاصفة، التي كانت الرياح فيها تعوي كذئب جريح، والسماء تمطر غضبًا، كان آدم عائدًا إلى منزله المتواضع. كانت قطرات المطر تتساقط بغزارة على مظلته، وتضرب وجهه ببرودة قاسية، بينما كانت أضواء المدينة تتراقص خلف ضباب المطر الكثيف. فجأة، شق وميض أزرق ساطع السماء، لم يكن برقًا عاديًا، بل كان أشبه بتمزق في نسيج الواقع ذاته. تبعه دوي هائل هز الأرض، وكأن جبلًا سقط من علو شاهق. توقف آدم لحظة، قلبه يخفق بعنف، فالفضول غلب الخوف في نفسه.

اندفع آدم نحو مصدر الصوت، متجاهلاً التحذيرات التي كانت تطلقها دوريات الشرطة والإسعاف التي بدأت تتوافد على المنطقة. قادته قدماه إلى حديقة مهجورة على أطراف المدينة، مكان يندر أن يرتاده أحد. هناك، في وسط حفرة عميقة نجمت عن الاصطدام، تكمن بقايا ما يشبه المركبة الصغيرة، تتوهج بضوء أزرق خافت، وتنبعث منها رائحة معدن غريب لم يشمها آدم من قبل. كان المشهد أشبه بقطعة من حلم، أو كابوس، وقد سحره جماله الغريب ورهبته في آن واحد.

اقترب آدم بحذر، متسللاً بين الأشجار المتكسرة والحطام المتناثر. وما كاد يقترب حتى لمح جسدًا نحيلاً ملقى على الأرض، بالقرب من المركبة المحطمة. كانت فتاة. شعر آدم بصدمة، كيف يمكن أن يكون هناك أحد في هذا الحطام؟ هل كانت على متن هذه المركبة الغريبة؟

كانت الفتاة ترتدي زيًا فضيًا لامعًا، يلتصق بجسدها برشاقة، وشعرها ينسدل كشلال من الفضة المتلألئة، يضيء في الظلام الخافت. بشرتها كانت شاحبة، كأنها منحوتة من ضوء القمر، وعيناها كانتا مغمضتين، لكن آدم لمس فيهما وعدًا بلون بنفسجي عميق، لون لم يره في حياته. كانت تبدو هشة، كزهرة سماوية سقطت من عليائها.

تردد آدم للحظة، هل يبلغ السلطات؟ لكن شيئًا ما في عينيها المغلقتين، في هالتها الغريبة، منعه. شعر برابط خفي يشدّه إليها، إحساس عميق بالمسؤولية. ركع بجانبها، مد يده بحذر ليتحسس نبضها. كان نبضها ضعيفًا وسريعًا، لكنه موجود. شعر بدفء غريب ينبعث من جسدها، مختلف عن دفء البشر.

حملها آدم بين ذراعيه، كانت خفيفة الوزن بشكل مدهش، وكأنها لا تحمل ثقلاً يذكر. نظر إلى المركبة المحطمة، أدرك أنها لن تطير مرة أخرى. ثم نظر إلى الفتاة في ذراعيه، شعر بأن عالمه قد تغير إلى الأبد في تلك اللحظة. لم يعد هناك رتابة، بل بداية مغامرة لم يكن يتخيلها.

وصل آدم إلى منزله، وقد تسربت المياه إلى ملابسه، لكنه لم يشعر بالبرد. وضع الفتاة برفق على سريره، غطاها ببطانية دافئة، ثم جلس بجانبها يراقبها. كانت أنفاسها منتظمة الآن، لكنها لا تزال فاقدة للوعي. كان وجهها الهادئ يشع بجمال غير أرضي، وكأنها لوحة رسمتها النجوم.

مرت ساعات طويلة، وآدم لم يغمض له جفن. كان عقله يدور في دوامة من الأسئلة. من هي هذه الفتاة؟ من أين أتت؟ وماذا حدث لها؟ كان يعلم أن عليه أن يحميها، أن يحافظ على سرها، مهما كلف الأمر. شعر بأن هذا اللقاء لم يكن صدفة، بل كان قدرًا يدفعه نحو مصير مجهول، مصير يربطه بكائن من عالم آخر.

مع بزوغ الفجر، فتحت الفتاة عينيها ببطء. كان لون عينيها بنفسجيًا زاهيًا، عميقًا كفضاء ليلة صيفية، يتلألأ ببريق لم يره آدم من قبل. نظرت حولها، ثم وقعت عيناها على آدم. كان هناك مزيج من الارتباك والخوف والفضول في نظراتها. حاولت أن تتحدث، لكن الكلمات التي خرجت من شفتيها كانت أصواتًا غريبة، أشبه بترنيمة كونية، غير مفهومة على الإطلاق.

ابتسم آدم بابتسامة مطمئنة، مد يده بحذر. "لا تخافي"، قال بصوت هادئ، "أنتِ بأمان هنا." لم تفهم كلماته، لكنها فهمت نبرته، فهمت الإحساس بالدفء الذي ينبعث من عينيه. أومأت برأسها ببطء، ثم أغمضت عينيها مرة أخرى، وكأنها تستجمع قواها. آدم أدرك أن رحلتهما قد بدأت للتو، رحلة ستكشف أسرار الكون، وتختبر حدود الشجاعة والتضحية.

الفصل الثاني: أسرار من النجوم وشر يتربص

مرت الأيام ببطء، وآدم يحاول التواصل مع الفتاة الغريبة. أطلق عليها اسم "نور"، لأنه شعر بأنها تجلب نورًا إلى حياته الرتيبة. كانت نور تستجيب للغة الجسد، وتفهم العواطف، لكن حاجز اللغة كان عقبة كبيرة. استخدم آدم كل ما لديه من كتب وموارد، محاولًا فهم رموزها الغريبة، أو تعليمها لغته. كان يقضي الساعات يرسم لها صورًا، يشير إلى الأشياء، ويحاول نطق الكلمات بوضوح.

شيئًا فشيئًا، بدأت نور تلتقط بعض الكلمات. كانت ذكية بشكل مذهل، تستوعب المفاهيم بسرعة تفوق سرعة البشر. في المقابل، بدأت تشاركه بعضًا من عالمها بطرق غير لفظية. كانت تلمس الأشياء، وتتوهج يداها بضوء خافت، فتظهر له صورًا ذهنية لمدن فضية تطفو في سماء زرقاء، لكائنات مجنحة تتراقص بين النجوم، لأجهزة متطورة تفوق فهمه. أدرك آدم أنها جاءت من حضارة متقدمة بشكل لا يصدق، حضارة تسكن عوالم بعيدة تتجاوز تخيل البشر.

ذات يوم، بينما كانت نور تستعيد بعضًا من قوتها، تمكنت من التواصل بجمل قصيرة ومتقطعة. كشفت له عن هويتها: "أنا... أستوريا... من... كوكبة... إيليوس". شرحت له، بصعوبة، أنها كانت في مهمة استكشافية، تبحث عن مصادر طاقة نادرة، عندما تعرضت مركبتها لعطل مفاجئ بسبب "اضطراب كوني" غير متوقع. هذا الاضطراب لم يدمر مركبتها فحسب، بل ألقى بها إلى كوكب الأرض، وأحدث خللاً في قدرتها على العودة. "مركبتي... محطمة... لا أستطيع... العودة... طاقة... ناقصة... بوابة... مغلقة."

أدرك آدم أن المشكلة أعمق مما تخيل. لم تكن مجرد مركبة محطمة، بل كانت هناك قوى كونية تمنعها من العودة. كان عليها أن تجد مصدر طاقة فريدًا، أو طريقة لإعادة فتح "البوابة" الكونية التي أتت منها. كانت تتحدث عن "الطاقة الجوهرية" التي تحتاجها، طاقة لا توجد إلا في قلب النجوم، أو في بلورات نادرة تتشكل في ظروف كونية خاصة.

لكن الأسوأ لم يأت بعد. لاحظ آدم تغيرًا في سلوك نور. كانت تصبح قلقة، وتنظر إلى السماء ليلاً بعينين مليئتين بالترقب والخوف. في إحدى الليالي، استيقظ آدم على صوت همهمة غريبة. وجد نور واقفة بجانب النافذة، يداها تضغط على رأسها، وعيناها تتوهجان بضوء بنفسجي مكثف. كانت ترتعش، وكأنها تتلقى إشارة مؤلمة.

"إنهم... قادمون"، تمتمت نور بصوت بالكاد مسموع، "الظل... يتبعني."

شعر آدم بقشعريرة تسري في عموده الفقري. "من هم؟" سأل بقلق.

"كائنات... بلا... نور... تسعى... للطاقة... الكون... كله."

في الأيام التالية، بدأت علامات الخطر تظهر. لاحظ آدم سيارات غريبة تتوقف بالقرب من منزله، أناس يرتدون ملابس سوداء يراقبون المكان. كانت هناك طائرات بدون طيار تحلق على ارتفاع منخفض في الليل. أدرك أن نور لم تكن مجرد غريبة من الفضاء، بل كانت مطاردة، وأن وجودها على الأرض لم يكن سرًا تمامًا. الشر الذي تحدثت عنه كان حقيقيًا، وكان يتربص بهما.

في إحدى الأمسيات، بينما كان آدم ونور يتناولان الطعام، انقطع التيار الكهربائي فجأة عن الحي بأكمله. في الظلام الدامس، سمع آدم صوت طرق خفيف على الباب الخلفي. كان يعلم أن هذا ليس انقطاعًا عاديًا للتيار. أمسك بيد نور، وشعر ببرودة يدها وارتعاشها.

"اختبئي!" همس آدم، ودفعها برفق نحو غرفة صغيرة خلف المكتبة، كانت مخبأه السري لأغراضه الثمينة.

اندفع آدم نحو الباب الأمامي، أمسك بمضرب بيسبول قديم كان يحتفظ به للدفاع عن النفس. عندما فتح الباب، لم ير شيئًا سوى الظلام. فجأة، انبعث ضوء أخضر خافت من أحد الزوايا، وظهرت ثلاثة أشكال بشرية ترتدي سترات سوداء وقبعات، ووجوههم مغطاة بأقنعة داكنة. لم يتحدثوا، بل تقدموا ببطء نحو المنزل، وكأنهم أشباح.

شعر آدم بالخوف، لكنه لم يتراجع. "من أنتم؟ وماذا تريدون؟" صاح بصوت عالٍ، حاول أن يبدو شجاعًا.

رد أحدهم بصوت آلي، خالٍ من أي عاطفة: "نسعى... إلى... الضالة. سلمها... وسنرحل."

أدرك آدم أنهم يتحدثون عن نور. "لا أعرف عما تتحدثون!" كذب آدم، وهو يستعد للقتال.

اندفع الرجال الثلاثة نحوه. كان آدم شابًا رياضيًا، لكنهم كانوا مدربين بشكل احترافي. حاول أن يدافع عن نفسه، لكنهم كانوا أسرع وأقوى. ضربوه بقوة، فسقط على الأرض، والمضرب يتدحرج بعيدًا عنه. شعر بألم حاد في رأسه، ورأى الدماء تسيل من أنفه.

في تلك اللحظة، انبعث ضوء بنفسجي ساطع من الغرفة الخلفية. كانت نور قد خرجت من مخبئها، وعيناها تتوهجان بقوة غير عادية. رفعت يديها، وانبعثت منهما طاقة بنفسجية قوية ضربت المهاجمين. صرخوا من الألم، وتراجعوا إلى الخلف. لم تكن طاقة مؤذية، بل كانت أشبه بصدمة كهربائية قوية، شلت حركتهم.

استغل آدم الفرصة، ونهض بصعوبة، أمسك بيد نور. "علينا أن نرحل!" صاح.

اندفعا خارج المنزل، متسللين عبر الأزقة الخلفية المظلمة. كانت أضواء سيارات المهاجمين تضيء الشارع، وأصواتهم تتعالى. أدرك آدم أنهم لن يتوقفوا. كانت حياة نور في خطر حقيقي، والآن، حياته أيضًا. كان عليه أن يحميها، حتى لو كلفه ذلك كل شيء. الرابط الذي شعر به تجاهها تحول إلى إحساس عميق بالولاء، إحساس بأنه مستعد لمواجهة أي شر من أجلها.

الفصل الثالث: صراع الظلال واشتداد المعركة

بعد الهروب من منزله، أدرك آدم ونور أن عليهما التحرك بسرعة وبحذر. كانت المدينة الكبيرة، التي كانت في السابق ملاذًا، قد تحولت إلى متاهة من المخاطر. أخذ آدم نور إلى مخبأ سري آخر كان يعرفه، وهو شقة قديمة مهجورة يملكها عمه البعيد في حي صناعي مهجور. كانت بعيدة عن الأضواء، وتوفر بعض الحماية من أعين المتطفلين.

في الأيام التالية، عاشا في حالة تأهب قصوى. كانت نور تشرح لآدم المزيد عن الكائنات التي تطاردها. "إنهم... صيادون... من... الظل"، قالت بصوت منخفض، "يتبعون... الطاقة... الكونية... يبحثون... عن... البلورات... التي... تمنح... القوة." كشفت أن المركبة التي أتت بها كانت تحمل بلورة طاقة نادرة، هي مصدر قوتها وقوة حضارتها، وأن هذا "الشر" يسعى للاستيلاء عليها. "إذا... حصلوا... عليها... سيدمرون... عوالم... كثيرة."

أدرك آدم أن الأمر أكبر من مجرّد فتاة عالقة. كانت نور تحمل سرًا يمكن أن يغير مصير الكون، وأن هؤلاء الصيادين كانوا مجرد بيادق في لعبة أكبر بكثير. شعر بثقل المسؤولية يقع على عاتقه، لكنه لم يتراجع. كان قلبه ينبض بشجاعة لم يكن يعلم بوجودها.

بدأ آدم في البحث عن معلومات عن "صيادي الظل" هؤلاء. استخدم مهاراته في البحث، وتصفح المنتديات السرية على الإنترنت، وقرأ عن نظريات المؤامرة التي تتحدث عن "حكومة الظل" أو "المنظمات السرية" التي تسعى للسيطرة على تقنيات غريبة. اكتشف أن هناك منظمة عالمية غامضة تُعرف باسم "الحراس الصامتين"، وهي مجموعة سرية من العلماء والعملاء الذين يعتقدون بوجود حياة خارج الأرض، ويسعون لاحتكار أي تقنية أو كائن فضائي يصل إلى الأرض. كانوا هم من يطاردون نور.

لم يمض وقت طويل حتى بدأت المطاردة تشتد. كانت أجهزة الحراس الصامتين متطورة بشكل لا يصدق. كانت الطائرات بدون طيار تراقب المنطقة، وكانت السيارات السوداء تجوب الشوارع المحيطة. في إحدى الليالي، بينما كان آدم يحاول إصلاح جهاز تتبع بسيط صنعه من قطع إلكترونية قديمة، انبعث ضوء أحمر من جهاز إنذار كان قد وضعه على النافذة.

"إنهم هنا!" صاح آدم، وهو يمسك بيد نور.

لم يكن لديهم وقت للتفكير. اندفعا عبر ممرات الشقة المتهالكة، نحو باب سري كان آدم قد اكتشفه في أحد الجدران. كانت طلقات النار تنهال على الأبواب والنوافذ، وأصوات الرجال تملأ المكان. كانت نور تستخدم قدراتها الخارقة، تطلق موجات من الطاقة البنفسجية لتعطيل أجهزة الحراس الصامتين، أو لتشتيت انتباههم. كانت سريعة ورشيقة، وتتحرك كظل، لكنها كانت لا تزال ضعيفة بسبب نقص الطاقة.

خرج آدم ونور إلى زقاق خلفي مظلم. كان المطر يتساقط مرة أخرى، ويغطي الأجواء بضباب كثيف. ركضا في الشوارع المهجورة، محاولين الاختباء في الظلال. كانت أضواء سيارات الحراس الصامتين تضيء الزقاق، وأصوات أقدامهم تقترب.

"إلى هنا!" صاح آدم، وهو يشير إلى مدخل نفق قديم للصرف الصحي. كانت رائحته كريهة، لكنه كان ملاذًا آمنًا.

تسللا إلى النفق، وتوقفا ليلتقطا أنفاسهما. كانت نور ترتعش، ليس من البرد، بل من الإرهاق والخوف. كانت يداها تتوهجان بشكل متقطع، مما يدل على استنزاف طاقتها.

"علينا أن نجد طريقة لإعادتك إلى ديارك"، قال آدم، "هذا الكوكب ليس آمنًا لكِ."

أومأت نور برأسها بحزن. "أعلم... لكن... كيف؟"

كان آدم يعلم أن عليه أن يفعل شيئًا. فكر في كل ما قرأه عن الحضارات القديمة، عن الأساطير التي تتحدث عن قوى خفية، عن الأماكن المقدسة التي تحمل طاقات غريبة. تذكر قصة قديمة عن "حجر النجوم" المدفون في أعماق جبل "النسر"، وهو جبل مقدس يقع في منطقة نائية، يزعم البعض أنه يحمل طاقة كونية عظيمة. كانت مجرد أسطورة، لكن في عالم نور، ربما كانت الحقيقة أغرب من الخيال.

"جبل النسر"، قال آدم بصوت خافت، "ربما هناك نجد ما تحتاجينه."

نظرت نور إليه بعينيها البنفسجيتين، كانت هناك بصيص من الأمل يلوح فيهما. "جبل... النسر؟"

"نعم، مكان بعيد، لكن ربما نجد هناك شيئًا يمكن أن يساعدك على إعادة شحن طاقتك، أو حتى إصلاح مركبتك."

أدرك آدم أن هذه الرحلة ستكون محفوفة بالمخاطر. كان الحراس الصامتون يطاردونهم بلا هوادة، والطريق إلى جبل النسر طويل ووعر. لكنه لم يتردد. كان مستعدًا لمواجهة أي شيء من أجل نور. كان قلبه قد اختار، وكان مصيره قد ارتبط بمصيرها إلى الأبد. كانت المعركة قد بدأت للتو، وستكون معركة من أجل البقاء، ومن أجل الأمل، ومن أجل حب عابر للعوالم.

الفصل الرابع: الأمل الخافت في أعماق الجبل

بدأت رحلة آدم ونور الشاقة نحو جبل النسر. كانت رحلة مليئة بالمخاطر، حيث كان عليهما تجنب طرق الحراس الصامتين، الذين كانوا قد نشروا عملاءهم في كل مكان. استخدم آدم معرفته بالمسارات الوعرة والطرق الخلفية، وتسللا عبر الغابات الكثيفة والوديان العميقة، متجنبين المدن والقرى. كانت نور تستخدم قدراتها الخارقة بشكل مقتصد، فقط عند الضرورة القصوى، لتوفير طاقتها المتناقصة. كانت تطلق نبضات طاقة خافتة لتشتيت أجهزة المراقبة، أو لتنويم بعض العملاء مؤقتًا عندما يضطرون للمواجهة.

في إحدى الليالي الباردة، بينما كانا يختبئان في كهف جبلي، شعرت نور بضعف شديد. كان جسدها يتوهج بشكل متقطع، وكانت تشعر بالدوار. "الطاقة... تتلاشى"، تمتمت بصوت واهن، "لم... يتبق... الكثير."

شعر آدم باليأس، لكنه لم يستسلم. كان يمسك بيدها، يحاول أن يمنحها بعضًا من دفئه وقوته. "لا تقلقي يا نور، سنصل إلى جبل النسر. أنا متأكد من أن هناك حلًا."

في تلك اللحظة، تذكر آدم قصة قديمة قرأها في أحد كتب الأساطير عن "حراس الجبل"، وهم مجموعة من الحكماء الذين يعيشون في أعماق جبل النسر، ويحمون سرًا قديمًا. ربما كان هؤلاء الحراس هم المفتاح.

بعد أيام من السير المتواصل، وصل آدم ونور إلى سفوح جبل النسر. كان الجبل شامخًا، مغطى بالثلوج الدائمة، تحيط به هالة من الغموض والرهبة. كانت الأجواء باردة وقاسية، وكانت نور تعاني بشكل كبير.

عند سفح الجبل، وجدا مدخلًا سريًا مخبأ بين الصخور، مزينًا بنقوش غريبة لم يفهمها آدم. عندما اقتربا، ظهر من الظلال رجل عجوز ذو لحية بيضاء طويلة وعينين حادتين. كان يرتدي رداءً منسوجًا من ألياف طبيعية، ويحمل عصا خشبية منحوتة.

"من أنتما؟ وماذا تريدان في هذا المكان المقدس؟" سأل الرجل العجوز بصوت عميق ورصين.

شرح آدم القصة، عن نور وعالمها، وعن صيادي الظل الذين يطاردونها. نظر الرجل العجوز إلى نور بعينين متفحصتين، ثم أومأ برأسه ببطء. "لقد انتظرتكِ يا أستوريا. الأساطير تحدثت عن مجيء نجمة من السماء."

اكتشف آدم أن الرجل العجوز هو "الحارس الأكبر" لجبل النسر، وهو من سلالة حافظت على سر "حجر النجوم" لآلاف السنين. كشف الحارس الأكبر أن حجر النجوم ليس مجرد بلورة، بل هو قلب طاقة كونية حية، يمكن أن تشحن طاقة نور، بل وتساعدها على إصلاح مركبتها، وفتح البوابة الكونية للعودة إلى ديارها.

"لكن... هناك ثمن"، قال الحارس الأكبر بصوت حزين، "حجر النجوم يتطلب تضحية عظيمة. طاقته قوية جدًا، ولا يمكن لأي كائن أن يتحملها دون أن يدفع ثمنًا باهظًا."

نظرت نور إلى آدم، كانت عيناها مليئتين بالتردد والخوف. أدركت أن هذه التضحية قد تكون حياتها، أو حياة آدم.

"ما هي التضحية؟" سأل آدم، وقلبه يخفق بعنف.

"يجب أن يتحد قلبان نقيان، قلب بشري وقلب نجمي، ليقوما بتنشيط الحجر. طاقة الحجر ستتدفق من خلالهما لتعيد نجمة السماء إلى ديارها. لكن القلب البشري سيفقد كل ذكرياته عن هذا اللقاء، وعن نور، وسيعيش حياة جديدة خالية من هذا العبء. أما القلب النجمي، فسوف يستنزف جزءًا كبيرًا من طاقته الحيوية، مما قد يؤثر على قدراتها لفترة طويلة."

شعر آدم بصدمة. نسيان نور؟ نسيان كل هذه المغامرات، كل هذه المشاعر التي نمت بينهما؟ كان هذا أشد قسوة من الموت. لكنه نظر إلى نور، إلى عينيها البنفسجيتين اللتين تتوسلان الأمل، وإلى جسدها الذي يذبل ببطء. أدرك أن عليه أن يختار.

"أنا مستعد"، قال آدم بصوت ثابت، "سأفعلها."

نظرت نور إليه، كانت هناك دموع تتلألأ في عينيها. "لا... آدم... لا تفعل... هذا... من أجلي."

"بل سأفعل"، قال آدم، وهو يمسك بيديها بقوة، "لقد أصبحتِ جزءًا مني، جزءًا من روحي. عودتك إلى ديارك هي أملي الوحيد. سأضحي بذكرياتي، لكن قلبي لن ينساكِ أبدًا."اقتادهم الحارس الأكبر إلى قلب الجبل، إلى كهف سري يتوهج بضوء أزرق خافت. في وسط الكهف، تكمن بلورة ضخمة، تتلألأ بآلاف الألوان، وكأنها قطعة من مجرة محبوسة في حجر. كان هذا هو "حجر النجوم".

"عندما يكتمل القمر في الليلة القادمة، سنقوم بالطقس"، قال الحارس الأكبر، "استعدا، فالمعركة الحقيقية لم تبدأ بعد."

أدرك آدم أن الحراس الصامتين لن يتركوهما وشأنهما. سيعلمون بوجود حجر النجوم، وسيحاولون منعهما. كانت الليلة القادمة هي لحظة الحقيقة، لحظة التضحية، لحظة المواجهة الأخيرة ضد الظلام. كان الأمل خافتًا، لكنه كان موجودًا، يضيء طريقهما في أعماق الجبل.

الفصل الخامس: التضحية والعودة الأبدية

حلت الليلة الموعودة، وكانت سماء جبل النسر صافية، يتلألأ فيها القمر بدرًا كاملاً، وكأنه يراقب القدر الذي سيتكشف. في الكهف المتوهج بضوء حجر النجوم، وقف آدم ونور أمام البلورة الكونية العملاقة. كان الحارس الأكبر يقف بجانبهما، عيناه تراقبان كل حركة، ووجهه يحمل مزيجًا من الحكمة والحزن.

"هل أنتما مستعدان؟" سأل الحارس الأكبر بصوت خافت.

أومأ آدم برأسه بثبات. كانت يده تمسك بيد نور، يشعر بدفء جسدها البارد. "أنا مستعد."

نور، كانت عيناها البنفسجيتان تلمعان بالدموع، لكنها أومأت برأسها أيضًا. "مستعدة."

فجأة، اهتز الكهف بعنف. سمعوا أصوات انفجارات من الخارج، وصيحات رجال. "إنهم هنا!" صاح آدم، "الحراس الصامتون!"

"لقد توقعت ذلك"، قال الحارس الأكبر، "لقد شعروا بطاقة الحجر. لكنهم لن يصلوا إليكما بسهولة."

اندفع الحارس الأكبر نحو مدخل الكهف، ممسكًا بعصاه. انبعثت من العصا طاقة خضراء ساطعة، شكلت حاجزًا واقيًا عند المدخل. لكن الحراس الصامتين كانوا أقوياء، ومسلحين بأحدث التقنيات. بدأت طلقات الطاقة تضرب الحاجز، مما تسبب في اهتزاز الكهف أكثر.

"علينا أن نبدأ الآن!" صاح الحارس الأكبر، "ليس لدينا وقت."

أمسك آدم ونور بيدي بعضهما البعض، ووضعا يديهما الحرتين على سطح حجر النجوم المتلألئ. انبعثت من الحجر طاقة قوية، تدفقت عبر جسديهما. شعر آدم بفيض من الذكريات يتدفق عبر عقله، ذكرياته مع نور، ابتسامتها، صوتها، مغامراتهما، كل لحظة عاشها معها. كانت الذكريات تتوهج بضوء ساطع، ثم بدأت تتلاشى ببطء، وكأنها تتطاير كالغبار في مهب الريح.

شعرت نور بالألم، كانت طاقة الحجر تستنزف جزءًا من روحها، لكنها كانت تشعر أيضًا بالقوة تتجدد في عروقها. كانت مركبتها المحطمة، التي كانت موجودة في مكان بعيد، تبدأ في التجمع مرة أخرى، أجزاؤها تتوهج بضوء أزرق، وتتحد معًا.

في تلك اللحظة، اخترق أحد عملاء الحراس الصامتين الحاجز الواقي. كان يحمل سلاحًا غريبًا يطلق نبضات طاقة. وجه السلاح نحو نور.

لم يتردد آدم. دفع نور بعيدًا عن طريق السلاح، وتلقى الضربة في كتفه. سقط على الأرض، صرخ من الألم، لكنه لم يترك يد نور. كانت ذكرياته تتلاشى بسرعة، لكنه كان لا يزال يتذكر شيئًا واحدًا: عليه أن يحميها.

"لا... آدم!" صرخت نور، ودموعها تتساقط على وجهها. كانت تشعر بقلب آدم ينبض بقوة، ثم يضعف ببطء. كانت ذكرياته تتلاشى، لكن حبه لها كان لا يزال موجودًا، يتوهج كشمعة في مهب الريح.

في لحظة يأس، وجهت نور كل طاقتها المتبقية نحو حجر النجوم. انبعثت من البلورة طاقة بنفسجية هائلة، ضربت عملاء الحراس الصامتين، وشلت حركتهم تمامًا. ثم انفتح شق في سقف الكهف، توهج بضوء أبيض ساطع. كانت "البوابة الكونية" قد انفتحت.

"اذهبي يا نور!" قال آدم بصوت ضعيف، وذكرياته تتلاشى أخيرًا. لم يعد يتذكر اسمها، لكنه كان لا يزال يشعر بشيء عميق تجاه هذه الكائنة المتوهجة أمامه.

اقتربت نور من آدم، قبلته على جبينه، وكانت دموعها تتساقط على وجهه. "لن أنساك... يا آدم... أبدًا"، همست، والكلمات تتردد في الفضاء.

ثم، بقوة دافعة، اندفعت نور نحو البوابة الكونية. ارتفعت في الهواء، وتوهج جسدها بضوء بنفسجي ساطع. اختفت في الشق الأبيض، تاركة وراءها صدى ترنيمة كونية خافتة.

بعد رحيلها، أغلقت البوابة الكونية ببطء. توقف حجر النجوم عن التوهج، وعاد الكهف إلى ظلامه. سقط آدم على الأرض، فاقدًا للوعي، وذكرياته عن نور، عن مغامرتهما، قد محيت تمامًا.

الخاتمة:

بعد أن هدأت المعركة، وجد الحارس الأكبر آدم ملقى على الأرض. كان الجرح في كتفه قد شفي بشكل غريب، وكأن طاقة حجر النجوم قد عالجته. لكن عندما استيقظ آدم، لم يتذكر شيئًا عن الفتاة الفضية، ولا عن المركبة المحطمة، ولا عن الحراس الصامتين. كان يتذكر فقط أنه كان في مهمة غامضة، وأنه تعرض لإصابة، لكن التفاصيل كانت ضبابية.

عاد آدم إلى حياته العادية في مدينة الواحة. استمر في دراسته، وبدا وكأنه لم يغادر أبدًا. لكن شيئًا ما كان مختلفًا فيه. كانت هناك نظرة بعيدة في عينيه، حنين خفي إلى شيء لا يتذكره، إحساس عميق بالفقدان، وكأن جزءًا من روحه قد غادر معه. كان يرسم أحيانًا أشكالًا غريبة، نجومًا تتراقص، وفتيات ذوات شعر فضي، لكنه لم يكن يعرف لماذا يفعل ذلك.

في كوكبة إيليوس البعيدة، عادت أستوريا إلى ديارها. استقبلها شعبها بفرح عظيم. كانت ضعيفة، وقد فقدت جزءًا كبيرًا من طاقتها، لكنها كانت حية. كانت تحمل في قلبها ذكرى آدم، ذكرى الشاب البشري الذي ضحى بكل شيء من أجلها. كانت تتذكر ابتسامته، وشجاعته، وحبه الذي تجاوز حدود العوالم. كانت تعلم أن آدم قد نسيها، لكنها وعدت نفسها بأنها لن تنساه أبدًا.

كانت تنظر إلى النجوم ليلاً، تتخيل كوكب الأرض، وتتمنى أن يجد آدم السلام والسعادة. كانت تعلم أن حبهما قد ترك أثرًا عميقًا في الكون، رابطًا خفيًا بين عالمين، قصة تضحية وحب عابرة للنجوم، ترويها الأساطير في صمت، منتظرة اللحظة التي قد تتلاقى فيها الأقدار مرة أخرى، حتى لو كانت الذكريات قد محيت، فإن جوهر الحب يبقى خالدًا.

إرسال تعليق

0 تعليقات