Header Ads Widget

Responsive Advertisement

نبضات كوكبين: حكاية أستريا وآدم

 


نبذة عن القصة:
في عالم تتشابك فيه خيوط الأسطورة بالعلم، يلتقي آدم، عالم الفيزياء الفلكية الشاب الذي تستهويه أسرار الكون، بفتاة غامضة تدعى أستريا، تسقط من سماء بعيدة إثر حادث كوني مدبر. أستريا ليست مجرد غريبة؛ إنها أميرة نجمية من حضارة "إليوس" المتطورة، تحمل في كيانها "اللب الأثيري" الذي يمنحها قوى استثنائية، لكنها تجد نفسها محتجزة على الأرض، عاجزة عن العودة إلى موطنها بسبب ضعف طاقتها ودمار مركبتها، وبسبب قوى كونية معادية تتربص بها. سرعان ما يكتشف آدم أن أستريا ليست مطاردة من مجرد قوى أرضية سرية تدعى "حراس الظل" تسعى للسيطرة على التقنيات الفضائية، بل إن هؤلاء الحراس هم بيادق لمنظمة كونية شريرة أعمق تدعى "نسّاجي الظل"، التي تهدف إلى استنزاف الطاقة الكونية النقية وتدمير العوالم.

تتطور علاقة آدم وأستريا من مجرد مساعدة إلى رباط عميق من الحب والتفاهم يتجاوز حدود الكواكب. يبدأ آدم رحلة محفوفة بالمخاطر مع أستريا نحو "جبل الصدى" الأسطوري، حيث يكمن "حجر القلب" القديم، وهو مفتاح عودة أستريا إلى ديارها. يلتقيان بـ "الحارس الأكبر" للجبل، الذي يكشف لهما عن التضحية العظمى المطلوبة لتنشيط الحجر: يجب أن يتحد قلبان نقيان، أحدهما بشري والآخر نجمي، ليمدّا الحجر بالطاقة. يتطلب هذا تضحية بذاكرة الحب الأعمق من القلب البشري، واستنزافًا هائلاً للطاقة الحيوية من القلب النجمي.

في ذروة الأحداث، وبينما يحاول حراس الظل اقتحام الجبل للاستيلاء على حجر القلب وأستريا، يقرر آدم التضحية بذكرياته عن أستريا، وبحياته إن لزم الأمر، ليمدّها بالطاقة اللازمة لعودتها. تتصاعد المعركة إلى ذروتها، حيث يتصدى آدم والحارس الأكبر لعملاء الظلام، بينما تقوم أستريا بآخر محاولاتها لفتح البوابة الكونية. في لحظة فارقة، يواجه آدم قائد حراس الظل في مواجهة أخيرة، مقدمًا أسمى معاني التضحية. القصة تنسج خيوط الإثارة، المغامرة، الحب العابر للعوالم، والتضحية التي تتجاوز حدود الذاكرة، لتترك نبضات خالدة بين كوكبين.


الفصل الأول: اللقاء الغامض والولادة الجديدة

في قلب مدينة "أورورا" العريقة، حيث تمتزج حداثة الأبراج الزجاجية اللامعة بأصالة الأزقة الحجرية القديمة، كان "آدم" يعيش حياةً هادئة، لكنها لم تكن خالية من شغفٍ عميق يكتنفه. كان آدم، الشاب الذي بلغ الخامسة والعشرين من عمره، عالمًا في الفيزياء الفلكية والآثار، يجد ضالته بين المخطوطات القديمة التي تتحدث عن النجوم والأجرام السماوية، وبين النظريات الحديثة التي تحاول فك رموز الكون. كانت روحه تتوق دائمًا إلى ما وراء الأفق المرئي، إلى عوالم لم تطأها قدم بشر، وقلبه يحمل حلمًا خفيًا بلقاء ما هو استثنائي، ما يكسر رتابة الوجود اليومي. كان يشعر بحدسٍ عميق أن هناك قدرًا أعظم ينتظره، قدرًا غير مرئي ينسج خيوطه في صمت، يربطه بمصيرٍ لم يجرؤ على تخيله. مكتبته الصغيرة، التي كانت تزدحم بالكتب والمناظير الفلكية والخرائط النجمية، كانت ملاذه، ومختبره، وعالمه الخاص.

في إحدى الليالي الخريفية العاصفة، التي كانت الرياح فيها تعوي كذئب جريح يطارد فريسته في السهول المقفرة، والسماء تمطر غضبًا لا يُبقي ولا يذر، كان آدم عائدًا إلى منزله المتواضع. كانت قطرات المطر تتساقط بغزارة على مظلته الواهية، وتضرب وجهه ببرودة قاسية كسهام الجليد، بينما كانت أضواء المدينة تتراقص خلف ضباب المطر الكثيف، تبدو كأشباحٍ راقصة. فجأة، شق وميض أزرق ساطع السماء، لم يكن برقًا عاديًا كذاك الذي يمزق الغيوم، بل كان أشبه بتمزقٍ هائل في نسيج الواقع ذاته، كأن ستارة الكون قد انشقت. تبعه دويٌ هائل هز الأرض من أساسها، وكأن جبلًا شامخًا سقط من علوٍ شاهق، أو كأن انفجارًا كونيًا قد وقع على مقربة منهم. توقف آدم لحظة، قلبه يخفق بعنفٍ شديد يكاد يمزق ضلوعه، فالفضول المتقد في نفسه غلب الخوف الذي بدأ يتسلل إلى أوصاله.

اندفع آدم نحو مصدر الصوت، متجاهلاً التحذيرات التي كانت تطلقها دوريات الشرطة والإسعاف التي بدأت تتوافد على المنطقة، صوت صفاراتها يمزق صمت الليل. قادته قدماه التي لا تبالي بالوحل والمطر إلى حديقة مهجورة على أطراف المدينة، مكان يندر أن يرتاده أحد، وكأنه بوابة إلى عالمٍ منسي. هناك، في وسط حفرة عميقة نجمت عن الاصطدام، حفرة بدت وكأنها ندبة في وجه الأرض، تكمن بقايا ما يشبه المركبة الصغيرة، تتوهج بضوء أزرق خافت ينبعث من جنباتها المكسورة، وتنبعث منها رائحة معدن غريب لم يشمها آدم من قبل، رائحة كونية لم يعرفها البشر. كان المشهد أشبه بقطعة من حلمٍ بعيد، أو كابوسٍ مخيف، وقد سحره جماله الغريب ورهبته في آن واحد، مزيجٌ من الروعة والرعب.

اقترب آدم بحذر شديد، متسللاً بين الأشجار المتكسرة والحطام المتناثر الذي بدا وكأنه شظايا من النجوم. وما كاد يقترب حتى لمح جسدًا نحيلاً ملقى على الأرض، بالقرب من المركبة المحطمة. كانت فتاة. شعر آدم بصدمةٍ كهربائية تسري في أوصاله، كيف يمكن أن يكون هناك أحد في هذا الحطام المروع؟ هل كانت على متن هذه المركبة الغريبة التي أتت من اللا مكان؟

كانت الفتاة ترتدي زيًا فضيًا لامعًا، يلتصق بجسدها برشاقة مذهلة، وكأنه جلد ثانٍ، وشعرها ينسدل كشلال من الفضة المتلألئة، يضيء في الظلام الخافت المحيط بها. بشرتها كانت شاحبة، كأنها منحوتة من ضوء القمر البارد، وعيناها كانتا مغمضتين، لكن آدم لمس فيهما وعدًا بلون بنفسجي عميق، لون لم يره في حياته، لون يحمل أسرارًا كونية. كانت تبدو هشة، كزهرة سماوية سقطت من عليائها، مهددة بالذبول على أرض غريبة.

تردد آدم للحظة، هل يبلغ السلطات؟ هل يكشف عن هذا السر العظيم الذي وقع بين يديه؟ لكن شيئًا ما في عينيها المغلقتين، في هالتها الغريبة التي تشع بسلامٍ كوني، منعه. شعر برابط خفي يشدّه إليها، إحساس عميق بالمسؤولية لم يفهمه تمامًا، لكنه كان أقوى من أي منطق. ركع بجانبها، مد يده بحذر شديد ليتحسس نبضها. كان نبضها ضعيفًا وسريعًا، لكنه موجود، ينبض بحياةٍ أخرى. شعر بدفء غريب ينبعث من جسدها، مختلف عن دفء البشر، دفء يحمل رائحة النجوم.

حملها آدم بين ذراعيه، كانت خفيفة الوزن بشكل مدهش، وكأنها لا تحمل ثقلاً يذكر، كأنها مصنوعة من خيوط الضوء. نظر إلى المركبة المحطمة، أدرك أنها لن تطير مرة أخرى، أن رحلتها قد انتهت على هذه الأرض. ثم نظر إلى الفتاة في ذراعيه، شعر بأن عالمه قد تغير إلى الأبد في تلك اللحظة الحاسمة. لم يعد هناك رتابة، بل بداية مغامرة لم يكن يتخيلها، مغامرة ستغير مجرى حياته.

وصل آدم إلى منزله، وقد تسربت المياه إلى ملابسه، لكنه لم يشعر بالبرد القارس. وضع الفتاة برفق على سريره، غطاها ببطانية دافئة، ثم جلس بجانبها يراقبها في صمتٍ مطبق. كانت أنفاسها منتظمة الآن، لكنها لا تزال فاقدة للوعي، كأنها غارقة في حلمٍ كوني عميق. كان وجهها الهادئ يشع بجمال غير أرضي، وكأنها لوحة رسمتها النجوم بألوانها الساحرة.

مرت ساعات طويلة، وآدم لم يغمض له جفن. كان عقله يدور في دوامة من الأسئلة التي لا تنتهي. من هي هذه الفتاة الغريبة؟ من أين أتت؟ وماذا حدث لها؟ كان يعلم أن عليه أن يحميها، أن يحافظ على سرها من عيون البشر، مهما كلف الأمر من مخاطر. شعر بأن هذا اللقاء لم يكن صدفة، بل كان قدرًا يدفع به نحو مصير مجهول، مصير يربطه بكائن من عالم آخر، رباطٌ سيتجاوز حدود الفهم البشري.

مع بزوغ الفجر، وانسحاب خيوط الظلام، فتحت الفتاة عينيها ببطء شديد. كان لون عينيها بنفسجيًا زاهيًا، عميقًا كفضاء ليلة صيفية، يتلألأ ببريق لم يره آدم من قبل، بريق يحمل أسرار مجرات بعيدة. نظرت حولها، ثم وقعت عيناها على آدم. كان هناك مزيج من الارتباك والخوف والفضول في نظراتها، كأنها تحاول فك رموز هذا العالم الغريب. حاولت أن تتحدث، لكن الكلمات التي خرجت من شفتيها كانت أصواتًا غريبة، أشبه بترنيمة كونية، أو همسات النجوم، غير مفهومة على الإطلاق لأذن بشرية.

ابتسم آدم بابتسامة مطمئنة، مد يده بحذر نحوها. "لا تخافي"، قال بصوت هادئ كنسيم الفجر، "أنتِ بأمان هنا." لم تفهم كلماته، لكنها فهمت نبرته، فهمت الإحساس بالدفء الذي ينبعث من عينيه، فهمت الأمان الذي يلفها. أومأت برأسها ببطء، ثم أغمضت عينيها مرة أخرى، وكأنها تستجمع قواها وتتكيف مع هذا الوجود الجديد. آدم أدرك أن رحلتهما قد بدأت للتو، رحلة ستكشف أسرار الكون، وتختبر حدود الشجاعة والتضحية، وتنسج قصة حب عابرة للنجوم.


الفصل الثاني: مطاردة الأشباح وهمس الظلال

مرت الأيام ببطء، كأنها عقود، وآدم يحاول جاهدًا التواصل مع الفتاة الغريبة. أطلق عليها اسم "أستريا"، اسمٌ لاتيني يعني "نجمة" أو "سيدة النجوم"، لأنه شعر بأنها تجلب نورًا غير أرضي إلى حياته التي كانت تتسم بالرتابة. كانت أستريا تستجيب للغة الجسد، وتفهم العواطف، وتلتقط الإشارات الخفية، لكن حاجز اللغة كان عقبة هائلة تفصل بين عالميهما. استخدم آدم كل ما لديه من كتب وموارد، محاولًا فهم رموزها الغريبة، أو تعليمها لغته البشرية المعقدة. كان يقضي الساعات الطويلة يرسم لها صورًا على قصاصات الورق، يشير إلى الأشياء من حولهما، ويحاول نطق الكلمات بوضوح وببطء شديد، كأنه يعلم طفلًا صغيرًا.

شيئًا فشيئًا، بدأت أستريا تلتقط بعض الكلمات والجمل البسيطة. كانت ذكية بشكل مذهل، تستوعب المفاهيم بسرعة تفوق سرعة البشر، وكأن عقلها مصمم لاستقبال المعلومات بوتيرة أسرع. في المقابل، بدأت تشاركه بعضًا من عالمها بطرق غير لفظية، تتجاوز حدود الكلمات. كانت تلمس الأشياء، وتتوهج يداها بضوء أزرق خافت، فتظهر له صورًا ذهنية حية في عقله: مدن فضية تطفو في سماء زرقاء متلألئة، كائنات مجنحة تتراقص بين النجوم في رقصة كونية ساحرة، أجهزة متطورة تفوق فهمه البشري بمراحل، وكأنها سحرٌ علمي. أدرك آدم أنها جاءت من حضارة متقدمة بشكل لا يصدق، حضارة تسكن عوالم بعيدة تتجاوز تخيل البشر، وتستخدم تقنيات تتجاوز حدود الفهم الأرضي.

ذات يوم، بينما كانت أستريا تستعيد بعضًا من قوتها الحيوية التي كانت تستنزفها جاذبية الأرض والغلاف الجوي، تمكنت من التواصل بجمل قصيرة ومتقطعة، لكنها كانت تحمل ثقلًا كونيًا. كشفت له عن هويتها الحقيقية: "أنا... أستريا... من... كوكبة... إليوس". شرحت له، بصعوبة شديدة، أنها كانت في مهمة استكشافية نبيلة، تبحث عن مصادر طاقة نادرة تُعرف باسم "بلورات النجوم" أو "جواهر الجوهر الكوني"، عندما تعرضت مركبتها الفضائية الأنيقة لعطل مفاجئ بسبب "اضطراب كوني" غير متوقع، وكأن يدًا خفية قد تدخلت في مسارها. هذا الاضطراب لم يدمر مركبتها فحسب، بل ألقى بها إلى كوكب الأرض، وأحدث خللاً كارثيًا في "النواة الأثيرية" لمركبتها، مما أثر على قدرتها على العودة إلى موطنها. "مركبتي... محطمة... لا أستطيع... العودة... طاقتها... ناقصة... البوابة... الكونية... مغلقة."

أدرك آدم أن المشكلة أعمق بكثير مما تخيل في البداية. لم تكن مجرد مركبة محطمة يمكن إصلاحها ببعض الأدوات الأرضية، بل كانت هناك قوى كونية غامضة تمنعها من العودة. كان عليها أن تجد مصدر طاقة فريدًا، طاقة أثيرية نقية، أو طريقة لإعادة فتح "البوابة" الكونية التي أتت منها، والتي كانت بمثابة جسر بين الأبعاد. كانت تتحدث عن "الطاقة الجوهرية" التي تحتاجها، طاقة لا توجد إلا في قلب النجوم المتوهجة، أو في بلورات نادرة تتشكل في ظروف كونية خاصة لا يعرفها البشر.

لكن الأسوأ لم يأت بعد، فخيوط القدر كانت تنسج شرًا أعمق. لاحظ آدم تغيرًا مقلقًا في سلوك أستريا. كانت تصبح قلقة بشكل متزايد، وتنظر إلى السماء ليلاً بعينين مليئتين بالترقب والخوف، وكأنها تنتظر شيئًا مروعًا. في إحدى الليالي، استيقظ آدم على صوت همهمة غريبة تنبعث من أستريا، صوتٌ لم يسمعه من قبل، أشبه بترنيمة حزينة. وجد أستريا واقفة بجانب النافذة، يداها تضغط على رأسها، وعيناها تتوهجان بضوء بنفسجي مكثف، وكأنها تتلقى إشارة مؤلمة تمزق كيانها. كانت ترتعش بشدة، كأنها تتلقى صدمة كهربائية كونية.

"إنهم... قادمون"، تمتمت أستريا بصوت بالكاد مسموع، صوتٌ يحمل في طياته رعبًا عميقًا، "الظل... يتبعني."

شعر آدم بقشعريرة باردة تسري في عموده الفقري، وكأن يدًا جليدية قد لمسته. "من هم؟" سأل بقلقٍ بالغ، يده تمتد لتمسك بيدها الباردة.

"كائنات... بلا... نور... تسعى... للطاقة... الكونية... تدمر... العوالم... كلها." كشفت أستريا عن وجود منظمة كونية شريرة تُعرف باسم "نسّاجي الظل"، كائنات من بُعد موازٍ، تتغذى على الطاقة الأثيرية النقية، وتتلاعب بالحضارات الأقل تقدمًا لتخدم مصالحها. هؤلاء هم من تسببوا في الاضطراب الكوني الذي أطاح بمركبتها، وهم من يطاردونها الآن.

في الأيام التالية، بدأت علامات الخطر تظهر بشكل أوضح وأكثر عدوانية. لاحظ آدم سيارات غريبة تتوقف بالقرب من منزله، أناس يرتدون ملابس سوداء داكنة يراقبون المكان بأعين باردة. كانت هناك طائرات بدون طيار تحلق على ارتفاع منخفض في الليل، أصوات محركاتها الخافتة تمزق صمت الظلام. أدرك آدم أن أستريا لم تكن مجرد غريبة من الفضاء، بل كانت مطاردة من قبل قوى منظمة، وأن وجودها على الأرض لم يكن سرًا تمامًا. الشر الذي تحدثت عنه كان حقيقيًا، وكان يتربص بهما من كل جانب. هذه القوى الأرضية، التي أطلق عليها آدم اسم "حراس الظل"، كانت هي الأذرع التي يستخدمها نسّاجي الظل لتحقيق أهدافهم على الكوكب.

في إحدى الأمسيات، بينما كان آدم وأستريا يتناولان عشاءهما البسيط، انقطع التيار الكهربائي فجأة عن الحي بأكمله، غارقًا إياهم في ظلامٍ دامس. في الظلام، سمع آدم صوت طرق خفيف ومتقطع على الباب الخلفي، صوتٌ لم يكن عاديًا. كان يعلم أن هذا ليس انقطاعًا عاديًا للتيار، وأن الظلام لم يكن مجرد صدفة. أمسك بيد أستريا، وشعر ببرودة يدها وارتعاشها، وكأنها تشعر بالخطر القادم.

"اختبئي!" همس آدم، ودفعها برفق نحو غرفة صغيرة خلف مكتبته، كانت مخبأه السري لأغراضه الثمينة، وملاذه في الأوقات العصيبة.

اندفع آدم نحو الباب الأمامي، أمسك بمضرب بيسبول قديم كان يحتفظ به للدفاع عن النفس، سلاحه الوحيد في مواجهة مجهول. عندما فتح الباب، لم ير شيئًا سوى الظلام الكثيف الذي يلف الشارع. فجأة، انبعث ضوء أخضر خافت من أحد الزوايا المظلمة، وظهرت ثلاثة أشكال بشرية ترتدي سترات سوداء وقبعات داكنة، ووجوههم مغطاة بأقنعة غريبة تخفي ملامحهم. لم يتحدثوا، بل تقدموا ببطء نحو المنزل، وكأنهم أشباحٌ خرجت من العدم.

شعر آدم بالخوف يتسلل إلى قلبه، لكنه لم يتراجع. "من أنتم؟ وماذا تريدون؟" صاح بصوت عالٍ، حاول أن يبدو شجاعًا، لكن صوته كان يرتعش قليلًا.

رد أحدهم بصوت آلي، خالٍ من أي عاطفة، صوتٌ بارد كالموت: "نسعى... إلى... الكائن... الضال. سلمها... وسنرحل."

أدرك آدم أنهم يتحدثون عن أستريا، وأنهم يعرفون هويتها. "لا أعرف عما تتحدثون!" كذب آدم بجرأة، وهو يستعد للقتال، يشد قبضته على المضرب.

اندفع الرجال الثلاثة نحوه بقوة ووحشية. كان آدم شابًا رياضيًا، لكنهم كانوا مدربين بشكل احترافي، يمتلكون مهارات قتالية عالية. حاول أن يدافع عن نفسه، لكنهم كانوا أسرع وأقوى. ضربوه بقوة، فسقط على الأرض، والمضرب يتدحرج بعيدًا عنه، وكأنه سلاح عاجز. شعر بألم حاد في رأسه، ورأى الدماء تسيل من أنفه، مذاقها المر يملأ فمه.

في تلك اللحظة الحرجة، انبعث ضوء بنفسجي ساطع من الغرفة الخلفية. كانت أستريا قد خرجت من مخبئها، وعيناها تتوهجان بقوة غير عادية، كأنها نجمتان اشتعلتا في الظلام. رفعت يديها النحيلتين، وانبعثت منهما طاقة بنفسجية قوية ضربت المهاجمين. صرخوا من الألم، وتراجعوا إلى الخلف في فزع. لم تكن طاقة مؤذية بقدر ما كانت صدمة كهربائية قوية، شلت حركتهم مؤقتًا، وكأنها أوقفت الزمن.

استغل آدم الفرصة، ونهض بصعوبة، يده تمتد لتمسك بيد أستريا الباردة. "علينا أن نرحل!" صاح.

اندفعا خارج المنزل، متسللين عبر الأزقة الخلفية المظلمة التي كانت تتلوى كالأفاعي. كانت أضواء سيارات المهاجمين تضيء الشارع، وأصواتهم تتعالى في الليل. أدرك آدم أنهم لن يتوقفوا، وأن هذه المطاردة لن تنتهي بسهولة. كانت حياة أستريا في خطر حقيقي، والآن، حياته هو أيضًا. كان عليه أن يحميها، حتى لو كلفه ذلك كل شيء يملك. الرابط الذي شعر به تجاهها تحول إلى إحساس عميق بالولاء، إحساس بأنه مستعد لمواجهة أي شر من أجلها، حتى لو كان هذا الشر قادمًا من أعماق الكون.


الفصل الثالث: رحلة الأسرار نحو قمة الصدى

بعد الهروب المروع من منزله، أدرك آدم وأستريا أن عليهما التحرك بسرعة فائقة وبحذر شديد. كانت مدينة أورورا الكبيرة، التي كانت في السابق ملاذًا آمنًا، قد تحولت إلى متاهة خطيرة، كل زاوية فيها قد تخبئ خطرًا محدقًا. أخذ آدم أستريا إلى مخبأ سري آخر كان يعرفه جيدًا، وهو شقة قديمة مهجورة يملكها عمه البعيد في حي صناعي مهجور على أطراف المدينة. كانت الشقة بعيدة عن الأضواء الكاشفة وعيون المتطفلين، وتوفر بعض الحماية المؤقتة من أعين حراس الظل.

في الأيام التالية، عاشا في حالة تأهب قصوى، كأن كل نفس يخرج منهما قد يجلب الخطر. كانت أستريا تشرح لآدم المزيد عن الكائنات التي تطاردها، وعن خلفية هذا الصراع الكوني. "إنهم... صيادون... من... الظل"، قالت بصوت منخفض، كأنها تخشى أن يسمعها أحد، "يتبعون... الطاقة... الكونية... يبحثون... عن... البلورات... التي... تمنح... القوة... اللامتناهية." كشفت أن المركبة التي أتت بها كانت تحمل بلورة طاقة نادرة، هي مصدر قوتها وقوة حضارتها "إليوس"، وأن هذا "الشر" الذي يمثله نسّاجو الظل يسعى للاستيلاء على هذه البلورات لتغذية قوتهم المدمرة. "إذا... حصلوا... عليها... سيدمرون... عوالم... كثيرة... وسيستعبدون... كواكب... لا حصر لها."

أدرك آدم أن الأمر أكبر بكثير من مجرّد فتاة عالقة من عالم آخر. كانت أستريا تحمل سرًا يمكن أن يغير مصير الكون بأكمله، وأن هؤلاء الصيادين، سواء كانوا نسّاجي الظل من الفضاء أو حراس الظل من الأرض، كانوا مجرد بيادق في لعبة كونية أكبر بكثير، لعبة حياة أو موت. شعر بثقل المسؤولية يقع على عاتقه، كأن مصير مجرات بأكملها يعتمد على قراراته، لكنه لم يتراجع. كان قلبه ينبض بشجاعة لم يكن يعلم بوجودها في أعماقه، شجاعة مستمدة من حبه لأستريا ورغبته في حمايتها.بدأ آدم في البحث عن معلومات عن "حراس الظل" هؤلاء، وعن أي صلة لهم بـ "نسّاجي الظل" الكونيين. استخدم مهاراته في البحث، وتصفح المنتديات السرية على الإنترنت التي تتحدث عن نظريات المؤامرة، وقرأ عن الأساطير التي تتحدث عن "حكومات الظل" أو "المنظمات السرية" التي تسعى للسيطرة على تقنيات غريبة تتجاوز الفهم البشري. اكتشف أن هناك منظمة عالمية غامضة تُعرف باسم "المحفل الأسود"، وهي مجموعة سرية من العلماء والعملاء الذين يعتقدون بوجود حياة خارج الأرض، ويسعون لاحتكار أي تقنية أو كائن فضائي يصل إلى الأرض. كانوا هم من يطاردون أستريا، وهم من يعملون كأذرع لنسّاجي الظل، يتلقون منهم توجيهات وتكنولوجيا مقابل السلطة والقوة.

لم يمض وقت طويل حتى بدأت المطاردة تشتد وتصبح أكثر شراسة. كانت أجهزة المحفل الأسود متطورة بشكل لا يصدق، تفوق أي تقنية عسكرية معروفة على الأرض. كانت الطائرات بدون طيار تراقب المنطقة بدقة، وكانت السيارات السوداء تجوب الشوارع المحيطة بالمخبأ، وكأنها كائنات مفترسة تبحث عن فريستها. في إحدى الليالي، بينما كان آدم يحاول إصلاح جهاز تتبع بسيط صنعه من قطع إلكترونية قديمة، انبعث ضوء أحمر متقطع من جهاز إنذار كان قد وضعه على النافذة.

"إنهم هنا!" صاح آدم، وهو يمسك بيد أستريا بقوة.

لم يكن لديهم وقت للتفكير أو التردد. اندفعا عبر ممرات الشقة المتهالكة، نحو باب سري كان آدم قد اكتشفه في أحد الجدران، بابٌ يؤدي إلى ممر سري قديم. كانت طلقات النار تنهال على الأبواب والنوافذ، وأصوات الرجال تملأ المكان، وكأنهم جيشٌ جرار. كانت أستريا تستخدم قدراتها الخارقة بشكل متقطع، تطلق موجات من الطاقة البنفسجية لتعطيل أجهزة المحفل الأسود، أو لتشتيت انتباههم وتنويم بعض العملاء مؤقتًا عندما يضطرون للمواجهة المباشرة. كانت سريعة ورشيقة، وتتحرك كظل، لكنها كانت لا تزال ضعيفة بسبب نقص الطاقة الأثيرية في جسدها.

خرج آدم وأستريا إلى زقاق خلفي مظلم، كانت جدرانه متآكلة وتفوح منها رائحة الرطوبة. كان المطر يتساقط مرة أخرى، ويغطي الأجواء بضباب كثيف يلف كل شيء. ركضا في الشوارع المهجورة، محاولين الاختباء في الظلال الداكنة. كانت أضواء سيارات المحفل الأسود تضيء الزقاق، وأصوات أقدامهم تقترب بسرعة.

"إلى هنا!" صاح آدم، وهو يشير إلى مدخل نفق قديم للصرف الصحي، كان يعرفه من استكشافاته السابقة للمنطقة. كانت رائحته كريهة ومقززة، لكنه كان ملاذًا آمنًا مؤقتًا.

تسللا إلى النفق، وتوقفا ليلتقطا أنفاسهما بصعوبة. كانت أستريا ترتعش، ليس من البرد القارس، بل من الإرهاق الشديد والخوف الذي بدأ يتسلل إلى قلبها. كانت يداها تتوهجان بشكل متقطع وغير منتظم، مما يدل على استنزاف طاقتها الأثيرية بشكل كبير.

"علينا أن نجد طريقة لإعادتك إلى ديارك"، قال آدم، وهو يمسك بيديها بحنان، "هذا الكوكب ليس آمنًا لكِ، ولا يمكنني حمايتك إلى الأبد هنا."

أومأت أستريا برأسها بحزن عميق، كانت عيناها البنفسجيتان تفيضان بالدموع. "أعلم... لكن... كيف؟"

كان آدم يعلم أن عليه أن يفعل شيئًا، أي شيء، لإنقاذها. فكر في كل ما قرأه عن الحضارات القديمة، عن الأساطير التي تتحدث عن قوى خفية، عن الأماكن المقدسة التي تحمل طاقات غريبة. تذكر قصة قديمة قرأها في مخطوطة مهترئة عن "حجر النجوم" المدفون في أعماق جبل "الصدى"، وهو جبل مقدس يقع في منطقة نائية لم تصلها يد البشر، يزعم البعض أنه يحمل طاقة كونية عظيمة، وأنه نقطة التقاء بين العوالم. كانت مجرد أسطورة، لكن في عالم أستريا، عالم الكائنات النجمية، ربما كانت الحقيقة أغرب من الخيال.

"جبل الصدى"، قال آدم بصوت خافت، كأنه يهمس بسرٍ عظيم، "ربما هناك نجد ما تحتاجينه."

نظرت أستريا إليه بعينيها البنفسجيتين، كانت هناك بصيص من الأمل يلوح فيهما، كأنه نجم بعيد يضيء في الظلام. "جبل... الصدى؟"

"نعم، مكان بعيد، لكن ربما نجد هناك شيئًا يمكن أن يساعدك على إعادة شحن طاقتك، أو حتى إصلاح مركبتك وتحقيق عودتك."

أدرك آدم أن هذه الرحلة ستكون محفوفة بالمخاطر التي لم يواجهها بشر من قبل. كان المحفل الأسود يطاردهم بلا هوادة، والطريق إلى جبل الصدى طويل ووعر، ومليء بالتحديات. لكنه لم يتردد، لم يتزعزع عزمه. كان مستعدًا لمواجهة أي شيء من أجل أستريا. كان قلبه قد اختار، وكان مصيره قد ارتبط بمصيرها إلى الأبد، برباط أقوى من أي قوة كونية. كانت المعركة قد بدأت للتو، وستكون معركة من أجل البقاء، ومن أجل الأمل، ومن أجل حب عابر للعوالم يتحدى كل المستحيلات.


الفصل الرابع: محاكمة الأرواح ومعركة المصير

كانت رحلة آدم وأستريا نحو جبل الصدى أسطورة بحد ذاتها، محفوفة بالمخاطر والتحديات التي اختبرت كل ذرة من صبرهما وشجاعتهما. تسللا عبر غابات كثيفة لم تطأها قدم بشر، وعبر وديان سحيقة يتردد فيها صدى الرياح كأنها أنين الأرواح، وتجنبا المدن والقرى التي قد تكون بؤرًا لعيون المحفل الأسود. كانت أستريا تستخدم قدراتها الخارقة بشكل مقتصد للغاية، فقط عند الضرورة القصوى، لتوفير طاقتها المتناقصة التي كانت تذبل شيئًا فشيئًا. كانت تطلق نبضات طاقة خافتة لتعطيل أجهزة المراقبة السرية، أو لتنويم بعض عملاء المحفل مؤقتًا عندما يضطرون للمواجهة المباشرة التي لا مفر منها. آدم، من جانبه، كان يعتمد على معرفته العميقة بالمسارات الوعرة، ومهاراته في التخفي، وحدسه الذي أصبح حادًا بفعل الخطر المستمر.

في إحدى الليالي الباردة والقارسة، بينما كانا يختبئان في كهف جبلي ضيق، شعرت أستريا بضعف شديد اجتاح جسدها النحيل. كان جسدها يتوهج بشكل متقطع، وكأن نجمًا يحتضر، وكانت تشعر بالدوار والغثيان. "الطاقة... تتلاشى... يا آدم"، تمتمت بصوت واهن، بالكاد يسمع، "لم... يتبق... الكثير... من... الأثير." كانت تعاني مما أسمته "الوهن الكوني"، وهو مرض يصيب الكائنات النجمية عند ابتعادها عن مصدر طاقتها الأثيرية لفترة طويلة.

شعر آدم باليأس يتسلل إلى قلبه، لكنه لم يستسلم. أمسك بيدها بقوة، يحاول أن يمنحها بعضًا من دفئه وقوته البشرية. "لا تقلقي يا أستريا، سنصل إلى جبل الصدى. أنا متأكد من أن هناك حلًا، يجب أن يكون هناك."

بعد أيام من السير المتواصل، الذي بدا وكأنه لا نهاية له، وصل آدم وأستريا إلى سفوح جبل الصدى. كان الجبل شامخًا، قممه مغطاة بالثلوج الدائمة، تحيط به هالة من الغموض والرهبة، وكأنه بوابة إلى عالم آخر. كانت الأجواء باردة وقاسية، وكانت أستريا تعاني بشكل كبير، جسدها يكاد لا يقوى على حملها.

عند سفح الجبل، وجدا مدخلًا سريًا مخبأ بين الصخور الضخمة، مدخلًا مزينًا بنقوش غريبة لم يفهمها آدم، لكنها كانت تشع بطاقة خفية. عندما اقتربا، ظهر من الظلال رجل عجوز ذو لحية بيضاء طويلة تنسدل على صدره كشلال من الفضة، وعينين حادتين تخترقان الروح. كان يرتدي رداءً منسوجًا من ألياف طبيعية غريبة، ويحمل عصا خشبية منحوتة بشكل فني، وكأنها جزء من شجرة كونية.

"من أنتما؟ وماذا تريدان في هذا المكان المقدس؟" سأل الرجل العجوز بصوت عميق ورصين، يتردد صداه في جنبات الجبل.

شرح آدم القصة، عن أستريا وعالمها البعيد، وعن نسّاجي الظل والمحفل الأسود الذين يطاردونها بلا رحمة. نظر الرجل العجوز إلى أستريا بعينين متفحصتين، كانت فيهما حكمة آلاف السنين، ثم أومأ برأسه ببطء. "لقد انتظرتكِ يا أستريا. الأساطير القديمة تحدثت عن مجيء نجمة من السماء إلى قلب جبل الصدى."

اكتشف آدم أن الرجل العجوز هو "الحارس الأكبر" لجبل الصدى، وهو من سلالة حافظت على سر "حجر القلب" لآلاف السنين، بل لملايين السنين. كشف الحارس الأكبر أن حجر القلب ليس مجرد بلورة، بل هو قلب طاقة كونية حية، جزء من "اللب الأثيري" للكون، يمكن أن يشحن طاقة أستريا، بل ويساعدها على إصلاح مركبتها، وفتح "البوابة الكونية" للعودة إلى ديارها في إليوس.

"لكن... هناك ثمن عظيم"، قال الحارس الأكبر بصوت حزين، كأنه يحمل أعباء العصور، "حجر القلب يتطلب تضحية عظيمة. طاقته قوية جدًا، ولا يمكن لأي كائن أن يتحملها دون أن يدفع ثمنًا باهظًا قد يكلفه وجوده."

نظرت أستريا إلى آدم، كانت عيناها البنفسجيتان مليئتين بالتردد والخوف، وكأنها ترى مصيرًا مجهولًا ينتظرهما. أدركت أن هذه التضحية قد تكون حياتها، أو حياة آدم.

"ما هي التضحية؟" سأل آدم، وقلبه يخفق بعنف، مستعدًا لمواجهة أي حقيقة.

"يجب أن يتحد قلبان نقيان، قلب بشري وقلب نجمي، ليقوما بتنشيط الحجر. طاقة الحجر ستتدفق من خلالهما لتعيد نجمة السماء إلى ديارها. لكن القلب البشري سيفقد كل ذكرياته عن هذا اللقاء، وعن أستريا، وسيعيش حياة جديدة خالية من هذا العبء. أما القلب النجمي، فسوف يستنزف جزءًا كبيرًا من طاقته الحيوية، مما قد يؤثر على قدراتها لفترة طويلة، وربما يترك ندوبًا لا تُمحى في روحها."

شعر آدم بصدمة عميقة، كأن صاعقة ضربت كيانه. نسيان أستريا؟ نسيان كل هذه المغامرات، كل هذه المشاعر التي نمت بينهما، كل لحظة من الخوف والأمل والحب؟ كان هذا أشد قسوة من الموت، أشد إيلامًا من أي جرح جسدي. لكنه نظر إلى أستريا، إلى عينيها البنفسجيتين اللتين تتوسلان الأمل، وإلى جسدها الذي يذبل ببطء، وكأنها زهرة تفقد بتلاتها. أدرك أن عليه أن يختار، أن يتخذ قرارًا مصيريًا.

"أنا مستعد"، قال آدم بصوت ثابت، يهز أركان الكهف، "سأفعلها."

نظرت أستريا إليه، كانت هناك دموع تتلألأ في عينيها، كأنها نجوم تسقط. "لا... آدم... لا تفعل... هذا... من أجلي."

"بل سأفعل"، قال آدم، وهو يمسك بيديها بقوة، كأنه يربط مصيره بمصيرها، "لقد أصبحتِ جزءًا مني، جزءًا من روحي. عودتك إلى ديارك هي أملي الوحيد. سأضحي بذكرياتي، لكن قلبي لن ينساكِ أبدًا، سيبقى نبضكِ فيه خالدًا."

اقتادهم الحارس الأكبر إلى قلب الجبل، إلى كهف سري يتوهج بضوء أزرق خافت، كأن النجوم قد سكنت جدرانه. في وسط الكهف، تكمن بلورة ضخمة، تتلألأ بآلاف الألوان، وكأنها قطعة من مجرة محبوسة في حجر، أو نجمٌ سقط من عليائه. كان هذا هو "حجر القلب".

"عندما يكتمل القمر في الليلة القادمة، سنقوم بالطقس المقدس"، قال الحارس الأكبر، "استعدا، فالمعركة الحقيقية لم تبدأ بعد. المحفل الأسود لن يدع هذا يحدث."

أدرك آدم أن المحفل الأسود لن يتركهما وشأنهما. سيعلمون بوجود حجر القلب، وسيحاولون منعهما بأي ثمن. كانت الليلة القادمة هي لحظة الحقيقة، لحظة التضحية العظمى، لحظة المواجهة الأخيرة ضد الظلام الذي يهدد الكون. كان الأمل خافتًا، لكنه كان موجودًا، يضيء طريقهما في أعماق الجبل، ويمنحهما القوة لمواجهة المستحيل.


الفصل الخامس: نبضات الأزل: الوداع والوعد

حلت الليلة الموعودة، وكانت سماء جبل الصدى صافية كمرآة سوداء، يتلألأ فيها القمر بدرًا كاملاً، وكأنه عين كونية تراقب القدر الذي سيتكشف. في الكهف المتوهج بضوء حجر القلب الساحر، وقف آدم وأستريا أمام البلورة الكونية العملاقة. كان الحارس الأكبر يقف بجانبهما، عيناه تراقبان كل حركة بدقة، ووجهه يحمل مزيجًا من الحكمة القديمة والحزن العميق على ما سيأتي.

"هل أنتما مستعدان للتضحية الكبرى؟" سأل الحارس الأكبر بصوت خافت، يتردد صداه في جنبات الكهف.

أومأ آدم برأسه بثبات، كانت يده تمسك بيد أستريا، يشعر بدفء جسدها البارد الذي بدأ يرتعش. "أنا مستعد، يا حارس الأكبر."

أستريا، كانت عيناها البنفسجيتان تلمعان بالدموع، لكنها أومأت برأسها أيضًا، عزمها يزداد قوة مع كل نبضة قلب. "مستعدة."

فجأة، اهتز الكهف بعنف شديد، كأن زلزالًا ضرب أعماق الجبل. سمعوا أصوات انفجارات مدوية من الخارج، وصيحات رجال المحفل الأسود التي مزقت صمت الليل. "إنهم هنا!" صاح آدم، "حراس الظل قد وصلوا!"

"لقد توقعت ذلك، يا آدم"، قال الحارس الأكبر بهدوء، "لقد شعروا بطاقة الحجر. لكنهم لن يصلوا إليكما بسهولة، ما دمت حيًا."

اندفع الحارس الأكبر نحو مدخل الكهف، ممسكًا بعصاه الخشبية المنحوتة. انبعثت من العصا طاقة خضراء ساطعة، شكلت حاجزًا واقيًا غير مرئي عند المدخل، يتألق كدرع نجمي. لكن حراس الظل كانوا أقوياء، ومسلحين بأحدث التقنيات الغريبة، وأعدادهم كانت هائلة. بدأت طلقات الطاقة تضرب الحاجز بعنف، مما تسبب في اهتزاز الكهف أكثر وأكثر، وتصدع الصخور.

"علينا أن نبدأ الآن!" صاح الحارس الأكبر، صوته يرتفع فوق ضجيج المعركة، "ليس لدينا وقت نضيعه!"

أمسك آدم ونور بيدي بعضهما البعض، ووضعا يديهما الحرتين على سطح حجر القلب المتلألئ. انبعثت من الحجر طاقة قوية، تدفقت عبر جسديهما، كأنها نهر من الضوء الكوني. شعر آدم بفيض من الذكريات يتدفق عبر عقله، ذكرياته مع أستريا: ابتسامتها الساحرة، صوتها العذب، مغامراتهما المحفوفة بالمخاطر، كل لحظة عاشها معها، كل كلمة، كل لمسة، كل إحساس. كانت الذكريات تتوهج بضوء ساطع، ثم بدأت تتلاشى ببطء، وكأنها تتطاير كالغبار في مهب الريح، أو تتبخر كقطرات الندى تحت شمس حارقة.

شعرت أستريا بالألم يعتصرها، كانت طاقة الحجر تستنزف جزءًا من روحها، لكنها كانت تشعر أيضًا بالقوة تتجدد في عروقها، كأنها تستعيد حياتها. كانت مركبتها المحطمة، التي كانت موجودة في مكان بعيد، تبدأ في التجمع مرة أخرى، أجزاؤها تتوهج بضوء أزرق، وتتحد معًا في وميض من الطاقة، تعيد تشكيل نفسها.

في تلك اللحظة الحاسمة، اخترق أحد عملاء المحفل الأسود الحاجز الواقي الذي صنعه الحارس الأكبر. كان يحمل سلاحًا غريبًا يطلق نبضات طاقة مدمرة. وجه السلاح نحو أستريا، هدفًا لا يخطئه.

لم يتردد آدم لحظة واحدة. دفع أستريا بعيدًا عن طريق السلاح، وتلقى الضربة في كتفه. سقط على الأرض، صرخ من الألم، لكنه لم يترك يد أستريا. كانت ذكرياته تتلاشى بسرعة، كأنها تتسرب من بين أصابعه، لكنه كان لا يزال يتذكر شيئًا واحدًا، إحساسًا عميقًا بالواجب: عليه أن يحميها، حتى لو كلفه ذلك كل ما يملك.

"لا... آدم!" صرخت أستريا، ودموعها تتساقط بغزارة على وجهها، كأنها مطر من النجوم. كانت تشعر بقلب آدم ينبض بقوة، ثم يضعف ببطء، كأن شمعة تنطفئ. كانت ذكرياته تتلاشى، لكن حبه لها كان لا يزال موجودًا، يتوهج كشمعة أخيرة في مهب الريح، يضيء لحظاته الأخيرة.

في لحظة يأس، وجهت أستريا كل طاقتها المتبقية نحو حجر القلب. انبعثت من البلورة طاقة بنفسجية هائلة، ضربت عملاء المحفل الأسود، وشلت حركتهم تمامًا، وكأنها جمدتهم في مكانهم. ثم انفتح شق هائل في سقف الكهف، توهج بضوء أبيض ساطع، كأنه شمس أخرى قد بزغت. كانت "البوابة الكونية" قد انفتحت أخيرًا.

"اذهبي يا أستريا!" قال آدم بصوت ضعيف، بالكاد يسمع، وذكرياته تتلاشى أخيرًا، كأنها لم تكن موجودة قط. لم يعد يتذكر اسمها، لكنه كان لا يزال يشعر بشيء عميق تجاه هذه الكائنة المتوهجة أمامه، إحساس بالارتباط الأبدي.

اقتربت أستريا من آدم، قبلته على جبينه، وكانت دموعها تتساقط على وجهه، تروي قصة حب وتضحية. "لن أنساك... يا آدم... أبدًا"، همست، والكلمات تتردد في الفضاء، وكأنها ترنيمة وداع.

ثم، بقوة دافعة، اندفعت أستريا نحو البوابة الكونية. ارتفعت في الهواء، وتوهج جسدها بضوء بنفسجي ساطع، كأنها نجمة تعود إلى موطنها. اختفت في الشق الأبيض، تاركة وراءها صدى ترنيمة كونية خافتة، ووعدًا أبديًا.

بعد رحيلها، أغلقت البوابة الكونية ببطء، كأنها تغلق صفحة من كتاب القدر. توقف حجر القلب عن التوهج، وعاد الكهف إلى ظلامه الأبدي. سقط آدم على الأرض، فاقدًا للوعي، وذكرياته عن أستريا، عن مغامرتهما، قد محيت تمامًا، كأنها لم تكن موجودة قط.

الخاتمة:

بعد أن هدأت المعركة، وانسحب عملاء المحفل الأسود مهزومين، وجد الحارس الأكبر آدم ملقى على الأرض. كان الجرح في كتفه قد شفي بشكل غريب، وكأن طاقة حجر القلب قد عالجته، تاركة ندبة خفيفة بالكاد ترى. لكن عندما استيقظ آدم، لم يتذكر شيئًا عن الفتاة الفضية، ولا عن المركبة المحطمة، ولا عن حراس الظل. كان يتذكر فقط أنه كان في مهمة غامضة، وأنه تعرض لإصابة، لكن التفاصيل كانت ضبابية، كأنها حلم بعيد.

عاد آدم إلى حياته العادية في مدينة أورورا. استمر في دراسته للفيزياء الفلكية والآثار، وبدا وكأنه لم يغادر أبدًا. لكن شيئًا ما كان مختلفًا فيه. كانت هناك نظرة بعيدة في عينيه، حنين خفي إلى شيء لا يتذكره، إحساس عميق بالفقدان، وكأن جزءًا من روحه قد غادر معه. كان يرسم أحيانًا أشكالًا غريبة، نجومًا تتراقص، وفتيات ذوات شعر فضي، لكنه لم يكن يعرف لماذا يفعل ذلك، أو من أين تأتيه هذه الرؤى. كان يشعر بنبضات غامضة في قلبه، كأنها صدى لحياة أخرى.

في كوكبة إليوس البعيدة، عادت أستريا إلى ديارها. استقبلها شعبها بفرح عظيم، واحتفلوا بعودتها كبطلة. كانت ضعيفة، وقد فقدت جزءًا كبيرًا من طاقتها، لكنها كانت حية. كانت تحمل في قلبها ذكرى آدم، ذكرى الشاب البشري الذي ضحى بكل شيء من أجلها. كانت تتذكر ابتسامته، وشجاعته، وحبه الذي تجاوز حدود العوالم. كانت تعلم أن آدم قد نسيها، لكنها وعدت نفسها بأنها لن تنساه أبدًا، وأن حبه سيبقى منقوشًا في قلبها النجمي. أصبحت أستريا حارسة قوية ضد نسّاجي الظل، تستخدم حكمتها وقوتها لحماية العوالم الأخرى، وتتذكر دائمًا التضحية التي قدمها آدم.

كانت تنظر إلى النجوم ليلاً، تتخيل كوكب الأرض، وتتمنى أن يجد آدم السلام والسعادة. كانت تعلم أن حبهما قد ترك أثرًا عميقًا في الكون، رابطًا خفيًا بين عالمين، قصة تضحية وحب عابرة للنجوم، ترويها الأساطير في صمت، منتظرة اللحظة التي قد تتلاقى فيها الأقدار مرة أخرى، حتى لو كانت الذكريات قد محيت، فإن جوهر الحب يبقى خالدًا، نبضًا أبديًا بين كوكبين.

إرسال تعليق

0 تعليقات